ابحث عن

محاكمة حادثة فندق تيرين.. معايير العدالة في قفص الاتهام


_ تحقيق نموذج المحاكمة مستحيله دون إجراء إصلاحات جذرية في السلطة القضائية.
_الاغتصاب الرافد الأكبر وباعث للاضطرابات العصبية ومشاعر الخوف والإحساس بالعجز واليأس والاكتئاب


جوبا: أجوك عوض
استجابة لضغوط كبيرة تعرضت لها حكومة جوبا تم عقد محاكمة عسكرية في قضية حادثة فندق تيرين الواقع على طريق ياي بجوبا يوم الخميس ستة سبتمبر من العام 2018م والتي تعود تفاصيلها الى هجوم أفراد من الجيش الشعبي ظهر يوم الحادي عشر من يوليو 2016م على مباني الفندق وارتكاب جرائم قتل، إتلاف ممتلكات، النهب المسلح، كسر الأبواب، التحرش الجنسي، الاغتصاب، الإهانة والتنكيل، جرائم متعلقة بالعمليات ومخالفة الأوامر المستديمة، وجاءت المحاكمة نتيجة لمنح صلاحيات واسعة وبتوجيه من رئاسة الجمهورية سلفا كير ولعل طول فترة مداولة القضية لحين صدور الحكم ترجم مدى الحرص والتأني في استيفاء مراحل القضاء ما يعكس درجة أهمية نوع القضية وفقاً لقبيلة القانون.
وبالرغم من أن الأحكام التي خلصت اليها المحكمة بحق الجناة تعتبر سابقة قضائية في تاريخ القضاء العسكري وفي تاريخ العدالة بصورة عامة في دولة جنوب السودان الأمر الذي كان من شأنه التبشير إيجابياً والتأكيد بمحاكمة كل من ثبت تورطه بارتكاب تجاوزات إنسانية وجرائم مماثلة لما فصل فيه القضاء العسكري في القضية قيدة الطرق للعقاب إلا أن ردة الفعل العام والتفاعل مع نتيجة الحكم كانت عكسية تماماً وأقل تفاؤلاً عند القياس والمقارنة بحجم التجاوزات والانتهاكات الإنسانية التي تعرض لها مواطنون أبرياء ومدى التكهنات بإمكانية نيل كل المجرمين بحق الشعب للجزاء العادل نظراً لعدم وجود قرائن أحوال تشير الى إمكانية عقد مثل تلك المحاكمة في المستقبل القريب بحسب الناشط ومؤسس منبر صوت الشعب"لايف" أدور أندور أشيك الذي يرى استحالة تحقيق نموذج محاكمة حادثة فنديق تيرين في جنوب السودان دون إجراء إصلاحات جذرية في السلطة القضائية التي تفتقر الى الاستقلال حتى يتسنى محاكمة المتورطين في جرائم ضد الأبرياء من شعب جنوب السودان خلال فترة الحرب  ويلخص أدور في حديثه لـ"الأخبار" أسباب قيام المحاكمة لتعرض جوبا لضغوطات من قبل أمريكا ودول الترويكا والاتحاد الأروبي بعد أن ثبت الوقائع لأن الكاميرات التي كانت منصوبة بالفندق وكانت دليلاً قاطعاً لرصدها كل تفاصيل الجريمة الأمر الذي أضعف من فرص الإفلات أو الإنكار مدللاً أن أحداثاً مشابهة ظلت ترتكب بحق شعب دولة جنوب السودان منذ العام 2013م من قبل القوات النظامية "غير المنظمة" على حد تعبيره مؤكداً ممارستهم لذات السلوكيات بحق المواطنين داخل وخارج جوبا، وقطعاً بعدم واقعية الحديث عن سابقة قانونية في هذا الصدد،
رحمة الاختلاف...    
بينما تنظر الناشطة الاجتماعية قلوريا ماريانو للقضية من زاوية أكثر تفاؤلاً باعتقادها أن الحكم في قضية فندق تيرين بالتعويض والسجن كان مبعثاً للتفاؤل بأن القضاء نحى منحى نصرة المظلومين من شعب جنوب السودان ممن طرقوا أبواب القضاء وتقول ماريانو في حديثها لـ"الأخبار": "حتى لو تمت المحاكمة بضغوطات أمريكية فإننا نرى ذلك جيداً وذلك ينبئ بأن كل مغتصب سينال عقابه "مضيفة أن الفصل في القضية سيشكل دوافع رادعة لكل من سولت له نفسه ارتكاب مثل تلك الجريمة بحق الغير لاسيما من أسمتهم "زوار الليل" الذين يسطون على منازل المواطنين بدوافع السرقة والنهب ولكن حال عدم العثور على مقتنيات  بالمنزل فإنهم لا يلبثوا يتحولون الى مغتصبين للنساء.

وقائع مماثلة.. ولكن لا كرامة لنبي في داره..
وشهدت دولة جنوب السودان منذ اندلاع الحرب في ديسمبر من العام 2013م عمليات واسعة لتجاوزات إنسانية وانتهاكات للحقوق بداية بحوادث القتل وليس انتهاءً باغتصابات جماعية واسعة لم تستثنِ المريضات داخل المستشفيات وقواعد الأمم المتحدة في المناطق التي تعرضت لقتال ضارٍ بين قوات الحكومة وقوات المعارضة المسلحة وفقاً لتقارير المنظمات الدولية والحقوقية حينها في كل من جوبا وبور وملكال حيث نادت أصوات الضحايا وذويهم بضرورة تقديم كل من ثبت تورطه من الجناة والمجرمين لمحاكمات عادلة. بالإضافة لتبادل الاتهامات والمطالبة بعقاب الآخر بين كل من الرئيس سلفا كير ونائبه المقال والطرف الأساسي في محاولات إنعاش اتفاقية السلام للعام 2013م د. رياك مشار. وكانت بنود فالاتفاق المنهار والمشار اليه تضمن ضرورة إنشاء محاكم هجين لفتح باب تحقيق ومحاسبة كل من ثبت تورطه في ارتكاب تجاوزات وانتهاكات ضد المواطنين.

الكيل بمكيالين...
ومع أن المحامي أقوك ماكور وعضو المكتب القيادي بالحركة الشعبية في المعارضة المسلحة جناح د. رياك مشار شهد بأن وقائع رصد المحاكمة أتت وفق الترتيبات المعمول بها داخل المحاكم غير أنه أبدى بالغ أسفه لجهة أن التعويضات والأحكام التي صدرت بحق المدانين والمتمثلة في كل من مبلغ 2 مليون و258 دولار لصاحب الفندق و20 ألف دولار مجمل تعويضات الضحايا بجانب رأس الأبقار لأولياء الدم؛ ستدفع من الخزينة العامة والمفروض أنها أموال عامة الشعب وكان حري إنفاقها على أبناء الفقراء للتعليم، مضيفاً في حديثه لـ"الأخبار"أن حوالي مليون طفل لم يتمكنوا من الذهاب للمدرسة بالرغم من تعارض ذلك وما جاء في ميثاق حقوق الإنسان من مجانية التعليم الابتدائي، مؤكداً أن الدولة نجحت في المحاكمة ولكنها فشلت في ملاحقة آلاف الجناة الذين ارتكبوا تجاوزات بحق مواطنين أبرياء.
وبحسب ماكور فجوبا أرادت من حرصها على عقد المحاكمة تقديم نموذج للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية والإقليمية يفيد بتحقيق العدل والظهور في ثوب العدالة، وفي حقيقة الأمر المواطن هو من يدفع الثمن، متسائلاً كقانوني بقوله: "هل رئاسة الجمهورية تحمي نفسها والأجانب ولكن أين الله وحماية المواطنين مقابل ثقتهم في القيادة والدستور الذي يحتكمون اليه. وتؤكد تاريخ وقوع الحادثة ـ والحديث لأقوك ماكور ـ أنها تمت بواسطة الجنود الفارين من معركة القصر التي كانت في الثامن من يوليو 2016م وذلك يؤكد أن الجيش الشعبي بحاجة لعقيدة قتالية مستغرباً اقتراف الجريمة بواسطة من يعول عليهم في مكافحة الجريمة في وقت هم المعنيون بحماية الدستور غير أنه عاد معضداً البراهين بالإشارة الى أن الحادثة ليست الأولى من نوعها فهناك جرائم ارتكبتها من يرتدون البزة العسكرية ولكن لم تتم ملاحقتهم بينما تمت المحاكمة لأن الجريمة كانت كبيرة والمجني عليهم أجانب ما وضع الدولة في موقف حرج.
الأثر النفسي والبعد الاجتماعي...
وبالوقوف على وقائع المحاكمة التي أوردته صحيفة الموقف الناطقة بالعربية في جوبا يرى اختصاصي العلاج النفسي عمر صالح عطرون أن تقديم الجناة المغتصبين للعدالة ونيل العقوبة في حد ذاته غير كافٍ ولكنه يعطي الضحية فرصة الإحساس بتضامن الآخرين "المجتمع" معه ونصرته، موضحاً في إفادته لـ"الأخبار" أن للاغتصاب تأثيرات انفعالية شديدة على كل من تعرضن له لجهة أنه الرافد الأكبر والمهم للاضطرابات العصبية ومشاعر الخوف والإحساس بالعجز واليأس والاكتئاب بنوعيه الشديد والمتوسط بالإضافة للاضطرابات القلق والأخطر من جميع ذلك متلازمات صدمة الاغتصاب Rape trauma syndrome.
وبين عقد محاكمة أحداث فندق تيرين وترقب التوقيع النهائي على اتفاق سلام شامل ينهي الحرب بصورة نهائية في جمهورية جنوب السودان تظل آمال الضحايا كبيرة في أن تتم محاسبة كل من ثبت تورطه في ارتكاب تجاوزات وانتهاكات إنسانية بحق الأبرياء دون استنثاء لأحد تحرياً للمصالحة والتعافي الاجتماعي فهل يكون ذلك؟.

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

199 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع